مبادرات هيئة تقنية المعلومات ترف ام ضرورة ، ما بين تطبيقات مغلقة المصدر و تطبيقات مفتوحة المصدر


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
مقدمة:

شدني اليوم نقاش في إحدى المجموعات بالواتس اب و كذلك بعض التغريدات للأخوة في "تغريد " تويتر " حول المبادرة الرقمية لتوفير باقة ويندوز 10 و تحديث باقة اوفيس 2016م في كل المدارس الحكومية



وكانت تغريدات الأخ صالح الزهيمي @saleh_zuhimi   و الاخ داود الهنائي @DawoodHinaii    حول هذه المبادرة و تطبيقات مفتوحة المصدر و مشروع التحول الرقمي   انطلاقا من البعد الوطني الذي يضع متطلبات الواقع في كفة و متطلبات الترف في كفة أخرى كالمبادرة أعلاه"


و لان المزاج عدل بالنسبة لي الآن، و لأنه وبعد اجازتين متواليتين في شهر واحد بمناسبة العيد الوطني و بمناسبة مولد النبي عليه الصلاة و السلام،  أجدنني استجمعت انفاسي بعد سنة متعبة مجهدة على كل الاصعدة بالنسبة لي و لله الحمد،

و  لأن  الأصابع متحمسة للنقر على لوحة المفاتيح أجدنني كاتبا لهذه المقالة البسيطة ، متمنياً لكم بقضاء وقت طيبا في قراءتها.


المثير في الموضوع  أنه ليس عمان الرقمية و المتمثلة في هيئة تقنية المعلومات  من يلتصق التصاقا شديداً بشركة مايكروسوفت فقط بل أغلب المؤسسات الحكومية و الخاصة، و اللوبي المسيطر على هذا النوع من التجارة له اليد العليا في فرض سياسة السوق الواحد، علماً بان ذلك يعود إلى غياب التصور الواضح نحو الحكومة الالكترونية و الذي وجدته الشركات أرضا خصبة لتسويق بعض المنتجات " كما ذكر الزهيمي ، وهذا  حسب قوة هذه الشركات "الوكيلة" و علاقتها مع تلك المؤسسات .

الجدير بالذكر أنه لو رغبت الجهات المعنية الحصول على بدائل أخرى  عن البدائل المترفة لمايكروسوفت لتفاجأت بالكم الهائل منها سواء على صعيد المؤسسات الحكومية أو المؤسسات الأكاديمية، أو التعليم العام .



ففي الوقت الذي كان فيه العالم متجها إلى برامج مفتوحة المصدر ، كانت عمان الرقمية و المتمثل في هيئة تقنية المعلومات- مثلا تدعم فيه الطلبة بالمساهمة بمبلغ 150 ريال في شراء أجهزة الحاسب الآلي من مجموعة مختارة من الماركات!!! (و قد كتبت عنه سابقا) ، المبادرة التي استفادت منها شركات معينة و كذلك مبادرة دعم حزم الويندوز و الاوفيس
إن هذا التصرف المتبع لدينا شكل عبئا خياليا على الحكومة و على مختلف شرائح المجتمع حتى و لو كان ظاهره و باطنه صافي النية.



إن هذا الترف الحاصل لم ينعكس علينا ايجابيا فقط بل بل انعكس سلباً على اقتصاد هذا البلد و المعتمد على مثل هذه الشركات العالمية  الاخطبوطية كمايكروسوفت  و الذي أدى إلى طرد المواهب الوطنية و الاعتماد على كفاءات أجنبية لا فائدة كبيرة منها






مثال واقعي: كروم
ولكي أضرب مثالا على تبعات هذا النوع من التعاملات الاحتكارية ، فإنه سأعرج إلى أحدى المبادرات العالمية الايجابية المتناقضة لتلك التعاملات و التي  لامست متطلبات الواقع للمجتمع في ماليزيا ، و نظرت الى ضرورة التفكير ليس بالتطبيقات فقط بل بالأجهزة أيضا، و التوفير المالي للأسر الماليزية الفقيرة،


فحينما ارادات ماليزيا تطوير القطاع التعليمي  لديها، وجدت ان أحد أهم التحديات،
1- توفير تطبيقات مناسبة للطلبة حسب الفئات العمرية
2- توفير أجهزة حاسب آلي رخيصة ويمكن الاعتماد عليها
3- اكسسوارات الاجهزة المحمولة كالذاكرة و الاقراص الممغنطة ، و استهلاك الكهرباء ...الخ و الصيانة

بينما الوضع السابق:
تطبيقات مايكروسوفت = مكلفة و تستدعي تحديثات
أجهزة حاسب آلي = مكلفة + بسبب أمكانياتها و الرخص الاصلية لتشغيلها عبر تطبيقات مايكروسوفت -مرة أخرى - و غيرها من التطبيقات

وهو وضع مشابه لدينا و ما مبلغ المناقصة المذكورة أعلاه  إلا دليلا على ذلك

و عليه  و نظرا لوجود رؤية واضحة و مركزة تنطلق من نقطة أن ما يحتاج اليه الطالب ، هو":
1- تطبيقات لكتابة البحوث والعروض المرئية و الحسابات
2-  شبكة عنكبوتية للبحث عن المعلومات
3- توفير كتب رقمية من مختلف دول العالم
4- الاتصال

لاحظ أخي و أختي ، هذا المتطلبات لا تستدعي بتاتا اجهزة حاسب آلي عالية الامكانيات و الميزات المكلفة  إلا فيما ندر!  بينما نحن في السلطنة مجبرين على شراء الاجهزة المكلفة أو التطبيقات المكلفة لتشغيلها ، او شراء الكتب ..الخ

من منطلق هذه الاعتبارات الواقعية  فإن  وزارة التعليم بماليزيا  تلقفت مبادرة شركة جوجل
و التي أطلقت نظام تشغيل جديد اسمه كروم  والذي يعتمد اعتمادا كليا على الخدمات السحابية ( مستندات جوجل ، تعليم جوجل)
مدى انتشار مجموعات الجوجل للتعليم

ونتيجته

1- تطبيقات  مكتبية "اوفيس " سحابية مجانية يستفيد منها الجميع من اي مكان (مناسب للطلبة بالمدارس)
2-  توفير مكتبة من الكتب المعتمدة في النظام التعليمي للطلبة مع تخزين المراجع  سحابيا أو داخليا بذاكرة الجهاز
3- تصفح الشبكة العنكبوتية
4- اجتماعات عن بعد بالصوت او الصورة عبر الشبكة العنكبوتية
5- أجهزة حاسب آلي محمول ذات امكانيات محددة  تتناسب ومع متطلبات غالبية الطلبة  وببطارية ذات تشغيل طويل المدى حيث ان مثل هذه الاجهزة لا تستهلك من الكهرباء كثيرا

أسفرت هذه الخطوة عن توفير مالي كبير جدا للجهات المعنية بماليزيا، و كذلك توفير مالي للأهالي  بل و ساهم في توفير مصادر التعليم المعتمدة عبر الشبكة العنكبوتية  مما حقق أهداف التحول الرقمي ،
وخلق صناعة ثرية لتوفير مصادر التعلم كالكتب التعليمية و التطبيقات التعليمية و الهادفة و الترفيهية  في دولة ماليزيا
و للعلم فإنه تم تطبيق البرنامج على حوالي 10 الاف مدرسة بماليزيا  وإحدى المقولات التي سمعتها في الفيديو ادناه
التعلم يجب أن يكون في أي مكان و أي وقت مما ذكرني بقول السلطان حفظه الله ورعاه حول تعليم أطفالنا ولو تحت ظل الشجرة، و الذي واقعا نراه بعيدا عن استراتيجية وزارة التربية و التعليم التي اصبحت تلتزم بمباني ضخمة بلا خدمات و محتوى ضعيف
اليوتيوب ادناه عن تجربة ماليزيا "باللغة الانجليزية " إن لم يعمل مباشرة أضغط على الوصلة هنـــــــا "



للعلم على مدى ثلاثة سنوات تحقق أجهزة الحاسب الآلي المحمول و التي تعمل بنظام كروم  المراتب الأولى في موقع امازون العالمية كأكثر الاجهزة الالكترونية مبيعا من فئاتها مقارنة باجهزة ويندوز



سعر أجهزة الحاسب الآلي المحمول حسب الماركة مختلفة ولكن أغلبها من 70 ريال - 130 ريال وجيدة الاستخدام

و لا يسعني إلا ان اذكر حادثة بسيطة، حيث قمت بتوصية لإحدى المؤسسات بالدولة بالبحث عن هذه الاجهزة وشرائها  لتوفيرها في المكتبة الجديدة التابعة لهم ، ولكن لا المسؤول التقني سمع بالاجهزة ولا أحد بالرغم من توفيري لجميع المعلومات عنها و ذلك يعود إلى ما ذكره الأخ صالح الزهيمي ، لا يوجد هدف واضح و محدد للتقنية بالسلطنة مما جعل الجميع يفكر داخل اطار نفس النافذة... مكتبة = قراءة ، معلومات، تصفح الشبكة العنكبوتية، لماذا يتم شراء أجهزة غالية امكانياتها تصل للفوتو شوب و غيره..الخ

إن ذكري للمثال أعلاه  به الدروس و العبر الشيء الكثير لكل باحث عن حل، و ما زيارة بسيطة إلى مقرات العمل بالمؤسسات الحكومية لرؤية هذا الترف الرقمي الموجود في أجهزة الموظفين إلى واقع بينما تصميم تطبيقات موحدة بين مختلف مؤسسات الدولة للمراسلات الداخلية و الخارجية و المالية على أجهزة مخصصة و محددة الاستخدام  ، كان كفيلا بالقضاء على ظاهرة الانفاق على ما لا حاجة له، كالذي يشتري سيارة سباق لقيادتها في مدينة مزدحمة أقصى سرعة بها 80 كم ، فيظل يقود سيارته السريعة بسرعة بطيئة إلى ما كتب الله .

الخلاصة
أدعوكم لزيارة تغريدات الاخ صالح الزهيمي  @saleh_zuhimi  و الاخ داود الهنائي @DawoodHinaii   و  التي اتفق معها فهل هيئة تقنية المعلومات غائبة ام مغيبة ، سؤال يستحق البحث فيه و الاجابة عنه و وضع الحلول مطلب اساسي

كما  أستطيع و بكل صراحة أن اقول إن سبب  بطء عملية التحول الرقمي  و زيادة تكاليفها المالية يعود الى عوامل كثيرة متداخلة  أدت إلى عدم وجود خطة واضحة موحدة  ومهما تحدثنا عن هذه العوامل إلا أن العامل الاول والرئيسي و الذي دونه لن تتطور عملية التحول الرقمي هو ضعف المنظومة المعنية بتقنية المعلومات  لتشتتها
أولا: ضعف سلطتها على الجهات الأخرى برئيس لا يحمل رتبة وزير او حتى سعادة
ثانيا: رئيس مجلس إدارة هيئة تقنية المعلومات هو معالي وزير النقل و الاتصالات ، المثقل بمهام كثيرة لا تعد و لا تحصى ،
ثالثا: المجلس الأعلى للتخطيط الوطني ، لم يتبنى رؤية حكومة رقمية واحدة بتضمينها في مخططات مختلف القطاعات لكي تتكامل فيما بينها وزيارة الهيكل التنظيمي للمجلس المذكور تعطي ذلك الانطباع من أول وهلة

همسة
في كوريا الجنوبية ، إحدى النماذج الناجحة، شراء نظام الكتروني و تطويره محليا ليتوافق مع متطلباتهم ومن ثم وبعد التطوير ، اصبح هذا النظام  مطلب كبير للجميع لدرجة ان الكثير من الدول تتوافد للاستفادة منه وشراءه !

همسة
لدينا المواهب و كما الاخوين صالح و داود متاكدين من ذلك ، فانا متأكد ايضا و لا ينقصنا الا وجود مسار واضح صحيح محدد و بأولوية بعيدا عن الازدواجية وتداخل الخطط

حفظ الله الوطن 

تحياتي


صلاح الحجري 
26 ديسمبر 2015م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ازدواجية المشاريع الرقمية وتبذير الاموال، مشهد بارز لمشروع التحول الرقمي للحكومة

محطات الاستمطار الأيوني بالسلطنة قد تكون السبب الرئيسي لقلة الامطار

إدارة الأزمات - مثال فيروس كورونا